عدها الباحث باركفال المرأة الأكثر تعدداً للغات في العالم. ووصفها البروفيسور ستيفن كراشن بأنجح متعددة لغات.
انها الكاتبة والمترجمة كاتو لومب التي برهنت خلال حياتها ورحلتها في تعلم اللغات أن إتقان لغة أخرى هو أمر ممكن حتى في عمر متقدم، حيث أنها اكتسبت وتعلمت معظم اللغات في الثلاثين والأربعين من عمرها.
عزيزي القارئ..دعني اخبرك شيئاً من قصتها. فقط لا تنسى احضار قهوتك.
Table of Contents
Toggleقصة المترجمة كاتو لومب
ولدت الكاتبة عام ١٩٠٩ في هنغاريا، وأكملت سنوات تعليمها الأولى بدون أي تركيز على تعلم اللغات الأجنبية.
وأثناء مرحلتها الثانوية كانت دوماً متأخرة عن زميلاتها ألمانيات الأصل أو اللاتي يتلقين ويسمعن اللغة الألمانية، وكانت تعتبر نفسها طالبة “فاشلة” في تعلم اللغات وغير ناجحة كزميلاتها طوال سنين الدراسة، وحتى أثناء مرحلة البكالوريوس والدكتوراه عندما تخصصت في الكيمياء لم تتقن أي لغة أخرى.
حصلت الكاتبة على الدكتوراه في الكيمياء سنة ١٩٣٠، وحينها كانت الأوضاع الاقتصادية في هنغاريا متدنية، لذا لم تحصل على وظيفة تناسب اختصاصها. وفي ذلك الوقت اختارت أن تدخل مجال تدريس اللغات، لا سيما الإنجليزية التي كانت الأشهر والأكثر طلباً.
لذا قررت أن تتعلم اللغة أولاً قبل أن تعلمها للطلاب.
اللغة الانجليزية
كانت أولى خطواتها في مسيرة تعلم اللغة الإنجليزية هي قراءة رواية من الروايات الكلاسيكية. و كانت تقرأها يومياً. وتحاول فهم معنى الكلمات من سياق الكتابة. واذا لم تنجح هذه الطريقة فإنها تقوم بالبحث عن الكلمات الصعبة وتترجمها.وبعد شهرين من القراءة الحرة المتواصلة، لاحظت أنها تستمتع فعلاً بالقراءة.
بعد ذلك، بدأت كاتو لومب بتدريس الانجليزية لبعض الطلاب في معهد اللغة. وتوجب عليها أن تشرح دورة لغة شائعة آنذاك اسمها ٥٠ درساً. وكان مستوى لومب في اللغة الإنجليزية متواضعاً ومتقدماً بدرس أو درسين فقط عن طلابها. لذلك قامت بتطبيق استراتيجية التعلم بواسطة الشرح، أي أنها كانت تتعلم الدروس من خلال شرحها للطلاب.
وأثناء عملها كمعلمة، عملت لومب في معمل أدوية بدوام جزئي. وحاولت القيام بترجمات كتابية لبعض الأوراق، ولكن الترجمة لم تكن بالمستوى المطلوب. لذا اضطر المدقق اللغوي أن يعيد ترجمتها لها مرة أخرى.
اللغة الروسية
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٠، كان المجتمع يعتبر دراسة اللغة الروسية وتعلمها أمر مريب بين المواطنين الهنغاريين، نظراً للمشكلات السياسية. ولكن رغم ذلك أرادت كاتو لومب أن تتعلمها. والسبب الرئيسي لرغبتها في ذلك هو رؤيتها لقاموس إنجليزي – روسي في مكتبة في وسط المدينة بثمن قليل جداً. وبالفعل اشترت القاموس وبدأت تعلم اللغة الروسية من خلاله.
وبعد ذلك وجدت لومب رواية روسية مع إحدى السيدات الروسيات. حيث سكنت الكاتبة وزوجها في غرفة ضمن منتجع صغير، وكانت إحدى العائلات الروسية قد خرجت لتوها من نفس الغرفة، وتركت بعض الأغراض خلفها. ومن بين تلك الأغراض رواية رومانسية، وسرعان ما التقطتها الكاتبة وبدأت في قراءتها وتحليلها.
وفي عام ١٩٤٣، كانت الحرب العالمية الثانية في ذروتها، مما دفع الكاتبة لومب إلى العيش في أحد الملاجئ لمدة من الزمن. وأثناء ذلك اصطحبت معها كتاب باللغة الروسية، لكنها وضعت عليه غلاف باللغة الهنغارية حتى لا تصبح محل شكوك وتساؤلات الناس. وبالفعل تمكنت من قراءة الكتاب كاملاً، بالرغم من لغتها الروسية الضعيفة ودون استخدام القاموس أو الاستعانة بمترجم. فرغبتها في القراءة والتعلم لم تترك أمامها أي عائق.
وفي عام ١٩٤٥ تحررت مدينة الكاتبة بالكامل. وكانت لومب قد أتقنت اللغة الروسية، فتقدمت للعمل كمترجمة في مجلس المدينة، وتم قبولها فوراً. وعملت في الترجمة لأكثر من جهة. ثم شغلت منصب مدير مكتب متروبوليتان للسياحة في عام ١٩٤٦، لكن لم تستمر لعدم وجود سياح أثناء فترة عملها.
ثم عملت لومب بعد ذلك في إدارة لجنة الحلفاء، وكانت تتنقل بين اللغات الفرنسية والإنجليزية والروسية كل ١٠ دقائق للتحدث مع العملاء الأجانب. لهذا اكتسبت عدداً كبيراً من المفردات الجديدة على عكس عملها السابق في مكتب السياحة.
اللغة الرومانية
وفي فترة لاحقة أرادت تعلم اللغة الرومانية، فدرست كتاب لازلو جالدي في القواعد وقرأت رواية سيباستيان خلال بضعة أسابيع. واستطاعت تعلم اللغة الرومانية لاستخدامها في الترجمة للغات الأخرى، بينما لم تستطع التحدث بها بطلاقة.
واستمرت كاتو لومب في عملها كمترجمة ومديرة مكتب إلى عام ١٩٥٠. وأصبحت في ذلك الوقت من اول المترجمين الفوريين على مستوى العالم أجمع.
اللغة التشيكية و الإيطالية
في سنة ١٩٥٤ سافرت لومب للمرة الأولى في حياتها خارج الدولة، وتوجهت إلى تشيكوسلوفاكيا. ومباشرة بعد وصولها قرأت رواية Anna the Proletarian، وتمكنت من تحليلها وفهمها دون الاستعانة بأحد.
وتعلمت كذلك القليل من اللغة الإيطالية، بالقدر الذي يمكنها من الترجمة إلى اللغات الأخرى.
اللغة الصينية واليابانية
بعد ذلك سجلت بدورة تعلم اللغة الصينية في الجامعة، وكانت تدرس اللغة الصينية من القاموس الإنجليزي – الصيني، وحاولت تكوين وكتابة بعض الجمل بنفسها.
وبعد عامين من تعلم اللغة الصينية وقراءة النصوص تمكنت من العمل كمترجمة لوفود الزوار الصينيين. وقامت بترجمة الكثير من الروايات.
وفيما يتعلق باللغة اليابانية، فقد تعلمتها بشكل ذاتي دون الاستعانة بأي مختص أو خبير.
اللغة البولندية والأسبانية
ثم التحقت بدورة اللغة البولندية، واستخدمت خدعة بسيطة لزيادة الحماس أثناء التعلم والدراسة. وهي أنها اختارت مستوى أعلى من مستواها في اللغة، مما شجعها على التعلم بسرعة واكتساب المزيد من المهارات اللغوية.
وحول اللغة الإسبانية فقد قرأت الكاتبة كتاب Gentlemen Prefer Blondes أولاً، ثم قرأت أحد كتب القواعد باللغة الإسبانية.
اللغة الألمانية
أما عن اللغة الألمانية، فقد كانت تنعقد الكثير من المؤتمرات في مدينة بودابست (المدينة التي تسكن فيها الكاتبة). وفي أحد المؤتمرات طُرح عليها سؤال من قبل مندوب حول قدرتها على العمل كمترجمة في مؤتمر ينعقد في ألمانيا الغربية، وعندها قررت تعلم اللغة الألمانية وإتقانها.
تابعت لومب تعلم الكثير من اللغات الأخرى متبعة استراتيجيات التعلم الذاتي حتى الثمانينات من عمرها.
وقد تعلمت بالفعل ١٥ لغة. أتقنت منهم أربع لغات مثلما تتقن لغتها الأم. واللغات هي الإنجليزية والروسية والألمانية والفرنسية.
وبالنسبة للغات الإسبانية والإيطالية والبولندية والصينية واليابانية فلم تستطيع التحدث بها ولكن كانت قادرة على ترجمتهم للغات الأخرى.
وأخيراً، فيما يتعلق باللغات الست المتبقية، الدنماركية والبلغارية والرومانية واللاتينية والأوكرانية والتشيكية، فتعلمتهم لدرجة تمكنها من ترجمة المواد الأدبية والكتب والأعمال الأخرى.
مساهمة الكاتبة في مجال اكتساب اللغة الثانية:
أعدّت كاتو لومب الكثير من الاستراتيجيات في مجال تعلم اللغات والتي اعتُمدت لاحقاً في دراسات اكتساب اللغة الثانية (SLA).
ومن أبرز استراتيجياتها الجديدة:
- قراءة الكتب والروايات الممتعة في المراحل الأولية من تعلم اللغة.
- عدم التركيز على القواعد.
- ضرورة استخدام كتب تعليمية مكتوبة بواسطة أناس يتحدثون لغتك الأم.
حيث ذكرت لومب أنه يجب تضمين القراءة الطويلة والمكثفة ضمن خطة تعلم اللغة الخاصة بك منذ البداية. وأضافت أن الجزء الكبير من المعرفة اللغوية لن يتم اكتسابه عن طريق الكتب المدرسية والقواميس والمدرسين، وإنما من خلال الكتب والروايات فقط. حيث تعلمت الكاتبة اللغات الروسية والإنجليزية والإسبانية من خلال قراءة الروايات فقط.
وهذا ما يشجع إليه عالم اللغويات البرفسور ستيفن كراشن، حيث يؤكد وبالأدلة والتجارب الواقعية أن القراءة أفضل من التعليم المباشر الذي يشمل الدروس والحصص.
وفيما يتعلق بقواعد اللغة، فقد كانت كاتو لومب من أنصار عدم دراسة القواعد. وذكرت أن الطريقة التقليدية المستخدمة لتعليم اللغات من خلال حشو عشرات المفردات يومياً، ومحاولة فهم القواعد واستيعابها بعد تلقيها من المدرس، من أفشل الطرق ولن يستفيد منها كمتعلم للغة.
فالكاتبة تؤمن بفكرة أن الإنسان يتعلم القواعد من اللغة، وليس العكس. وهذا ما كانت تفعله، إذ كانت تقرأ الرواية ثم تأخذ منها القواعد.
وتذكر عزيزي القارئ أن دراسة القواعد من الكتب النحوية لن يؤهلك للتحدث مع الآخرين.
واذا كان لابد من استخذام الكتب الدراسية وكتب تعلم اللغات، فقد أوصت الكاتبة بتعلم اللغة من كتاب أنجزه شخص يتحدث لغتك الأم ويتقنها. فعلى سبيل المثال، بما أن لغتك الأم هي اللغة العربية، فمن الأفضل والأكثر فائدة أن تدرس القواعد والمحادثات من كتب كتبها متخصصون عرب. فلكل جنسية صعوبات، والجدير بالذكر أن عالم اللغات الدنماركي Jespersen صنف الأخطاء المرتكبة في اللغة الإنجليزية بحسب اختلاف الجنسيات.
أهمية ممارسة اللغة
وتضيف كاتو بة أنه ينبغي تعلم اللغة واكتساب مهاراتها باستخدام كل السبل والطرائق المتاحة لديك. حيث شبهت اللغة الأجنبية بالقلعة التي يجب محاصرتها من كافة الاتجاهات للدخول إليها والتوغل بها. لذا استثمر كل ما يتوفر لديك من صحف أو راديو أو أفلام أو روايات أجنبية أو أبحاث عملية. ولا تنسى التواصل مع المتحدثين الأصليين للغة الانجليزية.
والفكرة الأخيرة هي أفضل طريقة تراها الكاتبة لاكتساب مهارات اللغة وتعلمها. إنشاء العلاقات مع متحدثين أصليين للغة الإنجليزية ،مع وجود العديد من الاهتمامات المشتركة والمواضيع للتحدث عنها، من شأنه أن يحسن لغتك بشكل كبير. خصوصاً إن كانوا مستعدين لتصحيح الأخطاء التي ترتكبها وإلهامك إلى الصواب.
وتعتقد الكاتبة لومب أن تعلم اللغات هو أمر يحتاج وقتاً لا بأس به. لذا تقترح إقران اللغة بالحياة اليومية والعمل والتسلية.
وأنه من الضروري تكريس بعض الوقت يومياً لتعلم اللغات. وإن لم يكن لديك وقت كافي، فعلى الأقل خصص ١٠ دقائق للتحدث مع نفسك باللغة الإنجليزية (المونولوج)، فهذا من أنجح سبل تعلم اللغات.
وأخيراً، فيما يتعلق بالتعلم الذاتي، فتجد الكاتبة أنه أمر ضروري ولابد منه لكل متعلم. فالتعليم الذي تتلقاه من المدرس مُفيد لك فقط من ناحية إعطاء المعلومات والتأكد من انجاز المنهج، ولكن لابد أن تستمر بالتعليم الذاتي حتى تحقق أهدافك.
أسباب نجاح عملية تعلم اللغة
وبالنسبة لأسباب نجاح عملية تعلم اللغة، فترى كاتو لومب أنه توجد ثلاثة عوامل فقط لتعلم اللغة وهي:
- المثابرة
- الدافع
- الاجتهاد
ولا ترى أن القدرات والفروقات الفردية لها دور في تعلم اللغات. فالجميع قادر على تعلم أي لغة إذا ما قام بتطبيق العوامل الثلاثة السابقة.
كما تحدثت بجرأة أكبر وذكرت أنها تريد التخلص من النظرة البطولية التي ينظر بها المجتمع لمتعلمي اللغات الثانية. لأنهم لا يختلفون عن بقية الناس، والجميع بمقدوره تعلم لغة ثانية بسهولة.
وتبرهن على ذلك بأنها تعلمت خلال حياتها ١٥ لغة، وأتقنت منهم ٦ لغات لدرجة التحدث بطلاقة. ومع ذلك لا تجد نفسها مميزة عن بقية العالم.
أتقن اللغة ولو بدرجة سيئة
هذه الفكرة ضرورية جداً، لا سيما لمن يبحث عن الكماليه، ولا يرضى بأقل من الإتقان الشامل. حيث ترى الكاتبة أنه يجب تعلم اللغات الأجنبية حتى لو بشكل سيئ ودون إتقان. فذلك أفضل من عدم تعلمها على الاطلاق.
إذ أن تعلم القليل من اللغة سينفعك كثيراً في حياتك. وتعزز الكاتبة فكرتها بطرح مثال بسيط. وهو أنّ تعلم اللغة الإيطالية بشكل سيئ وقليل سينفعك اذا كنت في محطة القطار. حيث يمكنك تكوين جملة بسيطة باستخدام بعض الكلمات للاستفسار عن مكان النزول وطلب التوقف. وستنقذك هذه المعرفة القليلة باللغة الإيطالية وتوصلك إلى الوجهة المطلوبة بأمان.
وباختصار، الكاتبة ترى أنه من الأفضل استخدام لغة مليئة بالعثرات والأخطاء عوضاً عن الصمت وعدم التحدث.
ومما سبق نلاحظ أن الكاتبة قد أوصت بثلاث خطوات لتعلم أي لغة، وهي:
- القراءة المكثفة للروايات والكتب، خاصة في المراحل الأولى من تعلم اللغة.
- عدم التركيز على القواعد، وعدم الاهتمام بدراستها من كتب النحو.
- الدراسة من كتب منجزة بواسطة شخص يتحدث لغتك الأم، كالعربية مثلاً.
معلومات عن الكتاب
اسم الكتاب:Polyglot: How I Learn Languages
اسم الكتاب باللغة العربية: كيف تعلمت اللغات؟
الترجمة للعربية: غير متوفرة.
عدد الصفحات: 217 صفحة.
اسم المؤلف: Kató Lomb
نوع الكتاب:تعليم لغة انجليزية.
اللغة: الإنجليزية.
التقييم ٥/٥.
تمت الترجمة لأول مرة بواسطة موقع خيمة القراءة.